تكهنات محللين غربيين وروس بشأن نتائج قمة الرئيسين الروسي والأمريكي

تكهنات محللين غربيين وروس بشأن نتائج قمة الرئيسين الروسي والأمريكي
سلطت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الضوء على لقاء الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فيلاديمير بوتين، في ألاسكا، أمس، ورصدت أراء بعض المحللين ورؤاهم وتكهناتهم بخصوص اللقاء، في ظل مخاوف بالغة لدى المسؤولين الأوروبيين من نجاح بوتين، مرة أخرى، في استمالة ترامب، كما فعل في الماضي، وقدرته على قلب الرواية من «غزو روسي» إلى «تقاسم القوى العظمى لخريطة الأمن العالمي».

وذكرت الصحيفة في تحليل كتبه كل من كاثرين بيلتون، وفرانشيسكا إيبل، وإيلين فرانسيس، الجمعة، أن بوتين باعتباره ضابط مخابرات سابق يعتمد على خبرته الواسعة في استمالة القادة والتلاعب بهم، سيعمل على إقناع الرئيس الأمريكي بانفتاحه على السلام، موظفًا مهاراته في إثارة الخلاف بين الرئيس الأمريكي ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأنصاره في أوروبا، بعد أن شكّلوا جبهة موحدة، نهاية الإسبوع الماضي، لدعم وقف إطلاق النار ومنح كييف دورًا في المفاوضات حول أراضيها، حسبما يرى محللون روس.

ونقلت «واشنطن بوست» عن مسؤول أوروبي، تحدث، كغيره من المسؤولين في هذا التحليل، شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله: «يخشى الجميع أن يستغل بوتين غرور ترامب مجددًا كما فعل في الماضي، ومن يدري، ربما يأتي من هناك بعرضٍ نبيل، أو يُمنحونه وسامًا رسميًا»، لاسيما بعد أن قال مصدر مطلع في الكرملين إن: «ترامب وبوتين يُكنّان إعجابًا كبيرًا ببعضهما البعض»، مضيفاً «أنا متأكد من أن هذا الاجتماع الشخصي سيُغير مجرى الأمور»، فيما أشاد بوتين قبل انطلاق القمة، أمس الأول، بإدارة ترامب، وقال إنها تبذل «جهودًا حثيثة وصادقة لوقف الأعمال العدائية».

من ناحية أخرى يعتقد العديد من المسؤولين والمعلقين الروس أن بوتين نجح بالفعل في التأثير على ترامب بعد تراجع الرئيس الأمريكي في اللحظة الأخيرة عن تهديده بفرض عقوبات صارمة على روسيا عقب محادثات بين مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف وبوتين، الأسبوع الماضي، وبدلاً من إعلان العقوبات، تلقى بوتين دعوة لزيارة ألاسكا.

ورأى محللو «واشنطن بوست» أن صيغة اللقاءات الثنائية التي اعتمدها الكرملين منذ فترة طويلة تُعزز من قدرة بوتين على الاستفادة من خبرته الممتدة لأكثر من 20 عاماً في السلطة، وتُمهد له الطريق لاستخدام حيلة «أنصاف الحلول»، كوقف إطلاق نار مؤقت محدود، أو مناقشة «إطار عمل للسلام» ما من شأنه إطالة أمد المفاوضات مع الاستمرار في تصعيد الحرب.

في المقابل، قال أكاديمي روسي مُقرب من كبار الدبلوماسيين الروس: «لقد تمكن الأوروبيون والأوكرانيون من إقناع ترامب بأن موسكو هي العقبة الرئيسية أمام السلام، ومن ثم يتعين على الجانب الروسي أن يُغير هذا الرأي»، حسبما نقلت الصحيفة في تحليلها.

ووفقا لمسؤولين غربيين سابقين نجح بوتين خلال مسيرته المهنية كضابط مخابرات في صقل مهاراته الشخصية بما يمكنه من إفقاد خصومه توازنهم، وعمد خلال مسيرته المهنية في تجنيد عملاء للعمل لصالح السوفييت في دريسدن، ألمانيا الشرقية، قبل سقوط جدار برلين، وبرع منذ ذلك الحين، في قياس نقاط ضعف القادة الذين يلتقيهم.

وأشار التقرير إلى أن بوتين في أحد اجتماعاته الأولى مع مسؤول أمريكي رفيع المستوى عام 2000، عندما كان لا يزال يشغل منصب القائم بأعمال الرئيس، أظهر ميلاً وبراعة في تجريد نظرائه من سلاحهم والتلاعب بهم عبر سبر أغوار عقولهم، حسبما يشير جيمس ب. روبين، السكرتير الصحفي لوزيرة الخارجية مادلين ك. أولبرايت آنذاك؛ فقبل لقائه أولبرايت، دعا بوتين إلى مؤتمر صحفي مفاجئ دون إبلاغ أي مسؤول أمريكي، وأخبر الصحفيين أنه يتوقع من وزيرة الخارجية الأمريكية أن تكون «حازمًة وللغاية» وأن «تمارس عليه ضغوطاً كبيرة».

ويوضح روبين أنه عندما غادر الصحفيون المكان التفت بوتين إلى أولبرايت وقال لها «لقد فعلتُ ذلك خدمة لكِ لأنني أعلم أنكِ تحبين الظهور بمظهر القوي'».

ويضيف «روبين»: «كان بوتين يقول لأولبرايت ببساطة: قرأتُ ملفكِ وأعلم أنكِ تحبين الظهور بمظهر القوي، ولا أهتم بذلك، لذا أسديت لك هذا الجميل».

وفي عام 2007، واجهت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الجانب المظلم من تكتيكات بوتين عندما التقت به في سوتشي، منتجع البحر الأسود، وأحضر إلى الاجتماع كلبه الأسود من نوع لابرادور كوني، وقالت ميركل لاحقًا في مذكراتها إنها اعتقدت أنه تكتيك متعمد من جانب بوتين لتخويفها لأنه كان يعلم أنها تخاف من الكلاب.

وأشارت «واشنطن بوست» إلى الكثيرين ممن انخدعوا بصفات بوتين «المتلونة»، ففي أوائل القرن الحادي والعشرين، بعد تولي بوتين الرئاسة بفترة وجيزة، لاحظ بعض حلفائه في موسكو أن بوتين غالبًا ما يتبنى مواقف أولئك الذين كان يسعى لكسب ودهم.

وفي هذا الصدد، يقول سيرجي بوجاتشيف، أحد أقطاب الأعمال الروس الذي اختلف مع بوتين: «كان كالمرآة، يُخبر الجميع بما يريدون سماعه».

وأشارت الصحيفة إلى أحاديث بوتين المطولة التي سرد فيها مظالمه بشأن التوسع الغربي شرقًا، أو ادّعى فيها ملكيته لأراضٍ يُعرّفها بشكل أحادي الجانب بأنها أراضي روسيا التاريخية، وهي مزاعم يقول مسؤولون غربيون إنها غالبًا ما تُشوّه الواقع.

ولفتت الصحيفة إلى تأثير أحاديث بوتين المطولة، في هلسنكي عام 2018 عندما خرج ترامب من اجتماع قمة مطول مع بوتين، مُبديًا احترامه للزعيم الروسي، ليعلن في مؤتمر صحفي مشترك تصديقه مزاعم بوتين بعدم تدخل روسيا في انتخابات ٢٠١٦، على الرغم من تقييم وكالات الاستخبارات الأمريكية، ودفع سلوك ترامب فيونا هيل، مديرة شؤون روسيا في مجلس الأمن القومي آنذاك، إلى التفكير في التظاهر بنوبة صرع لوقف الإجراءات، حسبما كتبت لاحقًا.

على صعيد متصل، صرحت تاتيانا ستانوفايا، الزميلة البارزة في مركز روسيا وأوراسيا التابع لمؤسسة كارنيجي، بأنه «عندما خرج ترامب بعد عدة ساعات من الحديث مع بوتين، بدا وكأنه تحت تأثير بوتين تمامًا».

في المقابل، تشير الصحيفة إلى ثمة مؤشرات تعكس ضعف بوتين خلال قمة ألاسكا ومن بينها الاستعدادات المتسرعة من جانب الكرملين، إذ قال مصدر مطلع في الكرملين: «عادةً ما يُحضر بوتين نفسه بدقة متناهية، يقرأ كثيرًا ويجمع توصيات الخبراء... هذه المرة، الفرصة ضيقة للغاية، وليس لديهم خطة».

وفي هذا الصدد يقول «روبين»: «الخبر السار الوحيد هو أن بوتين يشعر بأنه بحاجة إلى الرد بطريقة ما على الرئيس الأمريكي لتجنب حدوث ما هو أسوأ، سواءً بالعودة إلى المساعدة العسكرية الكاملة أو الجزئية أو العقوبات المحتملة».

وبالإضافة إلى إقناع ترامب بأن روسيا تسعى للسلام، سيسعى بوتين إلى إقناعه برؤية روسيا لما يُسمى «الأسباب الجذرية» للحرب، أي أن أوكرانيا تُشكل تهديدًا لروسيا، وأن روسيا لا يُمكنها الموافقة على تسوية طويلة الأمد إلا إذا قلّصت كييف جيشها بشكل حاد وغيّرت سياساتها الداخلية.

وقالت ستانوفايا: «سيحاول بوتين أن يشرح لترامب أننا قوتان عظميان. نمتلك أسلحة نووية، ونتحمل مسؤولية الصراعات الإقليمية في جميع أنحاء العالم، ولا يُمكننا أن ندخل في صراع». وأضافت: «سيشرح له أن أوكرانيا مسألة وجودية بالنسبة لنا، وسنُقاتل مهما طال الزمن، ولن نُوفّر أي قوات لها».

ورغم ذلك، يُصرّ مسؤولون غربيون سابقون على أن روسيا لا يُمكنها مواصلة هجومها على أوكرانيا إلى أجل غير مسمى، وأن إدارة ترامب لديها الوسائل للضغط عليها لتقديم تنازلات.

وفي هذا الصدد، قال توماس جراهام، المسؤول السابق في إدارة جورج دبليو بوش، والذي يعمل حاليًا في مجلس العلاقات الخارجية: «سواءً تعلق الأمر بعقوبات أمريكية أو إمدادات أسلحة، فإن ما يتعين على الولايات المتحدة إثباته هو استعدادها لتحمل أي تداعيات... وأنه كلما استمر هذا الوضع، ازداد موقف روسيا سوءًا».
إقرأ الخبر الكامل من المصدر