ووفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة Journal of Cosmology and Astroparticle Physics، فإن الكون، الذي يبلغ عمره الحالي 13.8 مليار سنة، سيواصل التمدد نحو 11 مليار سنة إضافية قبل أن يصل إلى أقصى حجمه، أي ما يقارب 1.7 مرة حجمه الحالي، ثم يتباطأ ويتوقف، ليدخل بعدها في مرحلة الانهيار نحو نقطة واحدة فائقة الكثافة، كما بدأ أول مرة في "الانفجار العظيم" أو ما يعرف بـ "البيغ بانغ"، بحسب تقرير نشره موقع "ScienceAlert" العلمي. تغيير المفاهيم
فيما أوضح الفيزيائي هنري تاي من جامعة كورنيل، وهو الباحث الرئيس في الدراسة، أن هذا السيناريو يعتمد على نتائج جديدة تشير إلى أن الطاقة المظلمة قد تكون في تراجع، وليست ثابتة كما كان يُعتقد.
كما أضاف: "على مدى عشرين عامًا، افترض العلماء أن الثابت الكوني موجب، ما يعني أن الكون سيستمر في التمدد إلى الأبد، لكن البيانات الحديثة توحي بأنه سلبي — وأن النهاية ستكون بانكماش كوني شامل".
إلى ذلك، قال تاي: "في الستينيات من القرن الماضي، اكتشفنا أن للكون بداية. والآن نسأل: هل له نهاية؟ فلسنوات طويلة اعتقدنا أنه سيتمدّد إلى الأبد. لكن إذا تأكدت هذه النتائج، فسيكون للكون ختام محدد، تمامًا كما كانت له بداية".الطاقة المظلمة
هذا وارتكز هذا السيناريو على مفهوم الثابت الكوني الذي أدخله ألبرت أينشتاين ضمن نظريته في النسبية العامة لتفسير توسع الكون. فعندما يكون هذا الثابت موجبًا، يدفع الكون إلى التمدد المستمر. أما إذا كان سالبًا، فيعمل كقوة جذب خفية، تُبطئ التمدد وتعيد الكون إلى نقطة البداية.
كما أشارت الملاحظات الفلكية الأخيرة إلى احتمال أن تكون الطاقة المظلمة، التي تشكل أكثر من 70% من الكون، ليست ثابتة بل تتغير بمرور الزمن.
وافترض الفريق أن هذه الطاقة ناتجة عن جسيمات افتراضية خفيفة للغاية تُعرف باسم "الأكسيونات" (Axions)، التي تعمل كقوة دافعة في البداية، لكنها تفقد تأثيرها تدريجيًا، حتى تهيمن الجاذبية على المشهد.
ففي هذا النموذج، تواصل الأكسيونات دفع الكون إلى التمدد خلال المليارات القادمة، لكن بعد نحو 11 مليار سنة، تضعف قوتها بما يكفي ليتغلب تأثير الجاذبية السالب الناتج عن "الثابت الكوني"، فيتوقف التمدد ويبدأ الكون في الانكماش.نهاية أسرع من البداية
إلى ذلك، شبّه الباحثون هذه العملية بركوب دراجة تصعد تلًا مع رياح خلفية تهدأ تدريجيًا، حيث يتباطأ الصعود حتى يتوقف عند القمة، ثم يبدأ الهبوط بسرعة متزايدة.
وبحسب الحسابات، فإن مرحلة الانهيار ستكون أسرع من مرحلة التمدد، إذ تُسرّع طاقة الأكسيونات الحركية عملية الانكماش، بينما تزداد كثافة المادة وقوة الجاذبية مع اقتراب "الانفجار العكسي".
وعند لحظة النهاية، سيعود كل ما في الكون (من مجرات ونجوم وكواكب) إلى نقطة مفردة فائقة الكثافة والحرارة، كما كانت قبل الانفجار العظيم... لتكون صورة معكوسة لبداية الزمن نفسه.احتمال علمي
مع ذلك، شدد الباحثون على أن هذه النتيجة ليست "نبوءة" بل إحدى الفرضيات الممكنة، تعتمد على صحة الملاحظات التي تشير إلى تغيّر الطاقة المظلمة، وهو أمر لم يُثبت بعد بشكل قاطع.
فالعلماء ما زالوا يجهلون ماهية هذه الطاقة الغامضة، وما إذا كانت مرتبطة فعلًا بجسيمات الأكسيون أو بآليات فيزيائية مختلفة تمامًا.الكون في منتصف الطريق
وإذا صحّ هذا النموذج، فنحن نعيش اليوم في منتصف عمر الكون تقريبًا، بعد 13.8 مليار سنة من الانفجار العظيم، ومع نحو 20 مليار سنة تفصلنا عن الانفجار العكسي، فإن البشرية وكل أشكال الحياة المعروفة ستختفي قبل أن تبدأ المراحل الأخيرة للانكماش الكوني بزمن طويل.
لكن على المستوى العلمي، يقدم هذا السيناريو رؤية مثيرة لجدلية البداية والنهاية في علم الكونيات، ويعيد طرح سؤال جوهري: "هل الكون نظام مفتوح إلى الأبد... أم حلقة مغلقة تُعيد نفسها في دورة لا نهائية من الانفجار والانهيار؟".