سفينة «ثيستليجورم».. أغرقها الطيران الألماني في الحرب العالمية الثانية في أعماق «أبونحاس» بالغردقة

سفينة «ثيستليجورم».. أغرقها الطيران الألماني في الحرب العالمية الثانية في أعماق «أبونحاس» بالغردقة
في عمق البحر الأحمر بمنطقة شعاب أبونحاس، وعلى بُعد نحو أربعين كيلومترًا من سواحل الغردقة شمالاً، يرقد منذ نحو 84 عاماً واحد من أكثر مواقع الغوص إثارة في العالم؛ إنه حطام السفينة البريطانية «ثيستليجورم»، التي أغرقتها طائرات ألمانية في أكتوبر عام 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية، حين كانت في طريقها من إنجلترا إلى قناة السويس لمساندة الجيش البريطاني في معركة العلمين ضد القوات الألمانية التي كانت تزحف نحو القاهرة. وفي الوقت الذي غابت فيه أصوات المدافع، أصبحت أصوات تنفس الغواصين هي الإيقاع الوحيد الذي يكسر الصمت، فيما تتجول الأسماك الصغيرة بين الدراجات القديمة والعربات الصدئة لتكتب فصلاً جديداً من فصول الحياة في أعماق البحر الأحمر.

اليوم، وبعد أكثر من ثمانين عاماً، تحول حطام السفينة الإنجليزية التي أغرقها الطيران الألماني إلى متحف طبيعي غارق، تتجسد فيه لحظة الحرب وكأن الزمن توقف عندها، وكل قطعة هناك تحكي قصة الجنود والبحارة الإنجليز الذين لم يعودوا، بينما تتنفس الكائنات البحرية والأسماك والسلاحف الحياة فوق ما تبقى من أدوات ومعدات الحرب.

يصل الغواصون إلى موقع السفينة الغارقة «ثيستليجورم» بعد ساعات من الإبحار في البحر المفتوح، تقلهم اللنشات السياحية ليبدأوا نزولهم عبر زرقة الماء نحو كتلة ضخمة من الحديد تحولت إلى عالم صامت يعج بالحياة ومليء بالذخيرة والموتوسيكلات الحربية.

ومن الوهلة الأولى، تظهر آثار الدمار على بدن السفينة الغارقة: فتحات الانفجار، والحواف الملتوية، والصمت الذي يروي أكثر مما تقوله الكتب. وبين تلك الهياكل المعدنية، يمكن رؤية الدراجات النارية الإنجليزية من طراز BSA وNorton مصطفة في عنابر الشحن، وكأنها ما زالت تنتظر الأوامر بالتحرك إلى الجبهة، وإلى جوارها تقف العربات العسكرية، والمدافع، والموتوسيكلات النارية، والصناديق الخشبية، والأحذية الجلدية التي تركها الجنود على عجل قبل أن يختفي كل شيء في انفجار واحد هائل.

لم يعد موقع السفينة الغارقة اليوم مجرد بقايا سفينة حربية، بل أصبح نظاماً بيئياً مزدهراً؛ فقد نمت الشعاب المرجانية فوق الأسطح الحديدية، وجعلت الأسماك الملونة من فتحات السفينة بيوتاً آمنة.

وفي هذا التناقض المذهل بين الموت والحياة، يتأمل الغواصون المشهد وكأنهم يعبرون بين زمنين: زمن الحرب الذي توقف فجأة، وزمن البحر الذي لا يتوقف عن التجدد.

يقول أحد مدربي الغوص المحترفين في الغردقة: «كل غوصة إلى «ثيستليجورم» هي رحلة في الذاكرة… هناك تشعر أن التاريخ ما زال حياً تحت الماء، وأن البحر قرر أن يحتفظ بقصته على طريقته الخاصة. وإن موقع «ثيستليجورم» اليوم يُعد من بين أشهر مواقع الغوص في العالم، إذ يأتي الغواصون من أوروبا وآسيا وأمريكا خصيصاً لاكتشافه والغوص على حطامه، حيث تنطلق الرحلات يومياً من المراسي السياحية في الغردقة وشرم الشيخ وسفاجا، ضمن برامج غوص السفاري التي تنظمها مراكز الغوص المعتمدة من وزارة البيئة وغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية. وتحرص فرق الغوص على الالتزام الصارم بمعايير السلامة البيئية، حيث يُمنع تماماً لمس أو تحريك أي من محتويات الحطام حفاظاً على تاريخه وقيمته السياحية والبيئية».

وجاء موقع حطام السفينة الحربية البريطانية «ثيستليجورم» الذي يضم العشرات من القطع الحربية من العتاد والمعدات والسيارات والموتوسيكلات الحربية والمدافع والأسلحة ورؤوس الصواريخ ودانات المدافع التي كانت تقلها إحدى السفن الحربية البريطانية في طريقها إلى القوات البريطانية التي تقاتل القوات الألمانية بالقرب من العلمين خلال الحرب العالمية الثانية، في صدارة المواقع الأكثر حجزاً وإقبالاً على الزيارة.

وتعود قصة هذا الموقع إلى عام 1941، حين قام الطيران الألماني بقصف وإغراق السفينة البريطانية شمال الغردقة أثناء توجهها إلى قناة السويس. وأصبحت السفينة الغارقة متحفاً مفتوحاً للأحياء المائية والأسماك الملونة والشعاب المرجانية، ويبلغ طولها نحو 130 متراً وكانت تحمل على متنها العديد من الأسلحة والتجهيزات العسكرية. ويُعتبر موقعها من أهم مواقع الغوص السياحي في البحر الأحمر، حيث يزوره آلاف الغواصين سنوياً.

وبسعر 125 يورو فقط للرحلة التي تشمل توفير الأوزان وتانكات الغوص سعة 12 لتراً والقيام بغوصتين لمدة نصف ساعة لكل منهما، أطلق أحد مراكز الغوص بالغردقة رحلات غوص يومية لزيارة حطام السفينة الحربية البريطانية «سيدة البحار»، وذلك في ذكرى غرقها في قاع منطقة أبونحاس شمال الغردقة، بعد قصفها من الطيران الألماني أثناء الحرب العالمية الثانية وهي في طريقها إلى قناة السويس.

وتجذب هذه الرحلات آلاف السائحين سنوياً، خاصة من الإنجليز والألمان، من هواة رياضة الغوص القادمين إلى الغردقة وشرم الشيخ، حيث يفضلون زيارة حطام السفينة البريطانية الغارقة لما تحتويه من عشرات القطع الأصلية من معدات الحرب العالمية الثانية، من سيارات وموتوسيكلات حربية ومدافع وأسلحة وذخائر. ويُعد حطام السفينة من أهم مناطق الشعاب المرجانية الصناعية في البحر الأحمر، ويستقبل آلاف السائحين سنوياً من الغردقة والجونة وشرم الشيخ، كما تم اختياره ضمن أفضل عشرة مواقع غوص في العالم من جانب اتحاد منظمات الغوص العالمية.

وقام فريق بحثي مصري بريطاني من مشروع لتوثيق السفينة الحربية البريطانية الغارقة بقيادة الدكتور عماد خليل أستاذ الآثار البحرية، وبمشاركة باحثين من كلية الهندسة بجامعة عين شمس وقسم الآثار بجامعة نوتنجهام بإنجلترا، حيث تم استخدام تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد (3D) لتوثيق مختلف مناطق الحطام. ويهدف المشروع إلى الحد من رحلات الغوص العشوائية في المنطقة وضمان أن تكون الرحلات آمنة دون أي خطورة على حطام السفينة التاريخية. كما أعد الفريق خطة متكاملة لحماية الموقع من أضرار الغوص الجائر أو ممارسات الغواصين غير المسؤولة.

فيما تبدو «ثيستليجورم» في أعماق البحر وكأنها تعيش بين عالمين… عالم الحرب الذي انتهى، وعالم البحر الذي يواصل الحياة بلا توقف. إنها قصة الزمن المتجمد تحت الماء، حيث ما زالت الدراجات الحربية الإنجليزية تنتظر الجنود منذ الحرب العالمية الثانية، بينما يروي البحر حكاية لا تنتهي عن الدمار والجمال، عن الفناء والبقاء.
إقرأ الخبر الكامل من المصدر